عبد الفتاح جمال
قصيدة "سليمان الحلبي" للشاعر الدرعمي عبده بدوي رحمه الله ، من ديوان (باقة نور صـ11، 13ـ)
كان ليلٌ صامد الجبهة معروق السكينَهْ
في حناياه استكانتْ غنوة الشعب الحزينه
عن وجوه يابسات ! عن حكايات سجينه
... عن شباب تتلاقى بين عينيه الضغينه
- وعلى الشارع "فانوس" عجوز مات دونه -
***
قد تمشى الحزن يعوي في قلوب البشَرِ
وسجا الليل كبحر صامت في مَنْظر ..
عذَّبته خطوة صاحت على المنحدر
أغمدتْ في كل قلب حبَّه للسَّمَر
ما عدا جهشةَ نور في رواق "الأزهر"
وخيالا قد تمطَّى ظلُّه في الجُدُر !
***
كان يبدو مثل حُلم بين جفنيْ مُتعَبِ
أو كمصلوب تدلَّى رأسُه بالمِنكب
لم يزل في سُهده . في حزنه المعشوشب!
في حنايا مصحف . أو في حديث للنَّبي
وإذا الفجر هتاف يستثير "الحلبي"
***
وعلى اسم الله قد جرجر ساقيه سعيدا
ملءُ أذنـيْه هتاف عانق الصحوَ الوليدا
لم يكد ينساب حتى مدَّ للأزهر جيدا
شاقه الحيُّ ، ودارٌ كان يغشاها وحيدا
.. وتمطَّى في جفون الصبح إشراقًا جديدا
***
قد رآه مجهد العينين ظلُّ "الأزبكيَّهْ"
فتلقَّاهُ بحب .. بانعطافات ثريَّه
ودعَتْه بالأغاريد الشجيرات السخيَّـه
لحظةً . ثم استعاد الصمت في الدوح دويّه
فعلى الأرض تمشَّتْ خطوات أجنبيه !
***
عذَّبته هذه الخطوات فاهتزَّ جريئا
ذاكرًا في مصر شعبا قد رأى الموت البطيئا
ذاكرًا وجه الضحايا . ذلك الوجه البريئا
دفَّعته هذه الأحزان فانساب مليئا
غارسًا في الصدر حقدًا مرهف الحدِّ مضيئا
***
قد هوى الطغيان يبكي تحت هول الضربة
ما "فرنسا" إن مشى صَحْوٌ بقلب الأمَّة؟
إن مضى عزم "سليمان" بخفْق الشعلة
إنَّه في زهوة التاريخ أعلى ذروة
بطلٌ قد حقق الوحدة قبل الوحدة !!