علاقة الكلم المجتمعة أهم من الكلم أنفسها
للدكتور محمد جمال صقر
عمر ، علي ، خالد ، الشمس ، القمر ، الأرض ، كلم منفردات متواليات ، وهي كذلك معانٍ منفردات متواليات ، كل كلمة منفردة منها معنى منفرد ، متى خطرت خطر ، ومتى خطر خطرت ، وما خطور كل كلمة منها أو كل معنى إلا بمنزلة ضرب واحد في واحد أو قسمته عليه ، لا زيادة ثم معتبرة .
أما إذا كانت تلك الكلم ( المعاني) أنفسها ، هكذا : عَليٌّ وَخالِدٌ حَوْلَ عُمَرَ وَالْقَمَرُ وَالْأَرْضُ حَوْلَ الشَّمْسِ – فهي كلام مركّب مترابط ، وفكرتان متشابهتان مجتمعتان . تدل الأولى على علاقة جماعة من الناس ، وتدل الأخرى على علاقة جماعة من الجماد . إنه إذا كانت العلاقة في الأولى علامة سعي الناس إلى الائتلاف وحرصهم عليه ، كانت العلاقة في الأخرى علامة ائتلاف الجماد على سنة عليا ، ثم كان التقاء العلامتين كلتيهما آية الخضوع العظمى لتقدير خالق واحد بديع عظيم ، لم يملك لها ليفي شتراوس إلا أن يقول : " حين ننظر إلى جميع المنجزات الفكرية للإنسان بقدر ما دونت عبر العالم كله ، نجد أن القاسم المشترك بينها هو دائما إدخال نظام من نمط ما . وإذا كان هذا يمثل حاجة أساسية للنظام في العقل الإنساني ، وما دام العقل الإنساني ، بعد كل حساب ، ليس سوى جزء من الكون ، فإن الحاجة ربما كانت موجودة لأن ثمة نظاما ما في الكون ولأن الكون ليس في حالة من الفوضى ".
ونحن إذا تأملنا على التاريخ أعمال كبار المفكرين علماء وفنانين ، لم نجد قيمتها في ذخائرهم المحتشدة فيها من الكلم ( المعاني ) المنفردة ، بل فيما يختارونه لها ويختارونها له من علاقات تُظهرها وكأن لم تسمع من قبل.
ولأمر ما قال أبو نواس لمسلم بن الوليد الفاخر في قوله :
" رَأْي المُهَلَّبِ أَوْ بَأْس الأَيازيدِ "
بأنه لم يسبقه إلى جمع ( يزيد ) أحد - : " مِنْ ها هنا وَهِمْتَ ".
وللأمر نفسه قال بايي أنكلان الكاتب الأسباني : " يا لشقاء الشاعر الذي لم يجرؤ يوما على أن يجمع بين كلمتين لم تلتقيا من قبل على الإطلاق ".
علاقة الكَلِمِ ( المعاني ) المجتمعة ، أهمُّ من الكلم ( المعاني ) المنفردات أنفسها ؛ ففضلاً عن أنها التي تقدم الفكرة " دلالة علاقة الكلم ( المعاني ) المجتمعة " ، لا المعنى المنفرد ، فتظهر الكلمة أحيانا وكأن لم تسمع من قبل – تَسْتَقِلُّ وحْدَها بتوليد ما لا يحصى من الأفكار.
وبالقياس تكون علاقةُ جُمَلِ الفِقْرَةِ المجتمعة ، أهمَّ من الجمل المنفردات ، وعلاقةُ فِقَرِ النَّصِّ المجتمعة ، أهمَّ من الفِقَرِ المنفردات ، وعلاقةُ نُصوصِ الكِتابِ المجتمعة ، أهمَّ من النصوص المنفردات ؛ فإن المتأمل يطيل النظر حتى تنكشف له رسالة الكتاب المستولية على نصوصه ؛ فتنكشف بانكشافها قضايا النصوص ، ثم أفكار الفقر ، ثم فُكَيـْرات الجمل ؛ فتكون لمعاني الكلم عندئذ قيمة .