هذا رأيي المتواضع في مسئلة الشعر ذكرته في كتابي " ملكة اللسان بين البديع والبيان "
دراسة النص الشعر من الدراسات التي ركزت عليها جهود النقاد لكشف المعاير النقدية للنص الشعري ، وحتي نتمكن أن نقف علي ما يسمي بالإبداع الشعري .
فمن الضروري رؤية هذا الإبداع من منظور الوعي النقدي ، والناقد الحق يري أن من واجب النقد رؤية العمل الأدبي علي حقيقته لا كما نريد نحن أن نراه ، فالنقد إدراك الأدب لنفسه .
وقد اتجه النقاد المحدثين إلي نقد النص بالنظر إلي ما يؤديه النص من معني جمالي مرتبط بالقارئ مما يحدث تفاعل بين النص والقارئ .
وعلي هذا النحو يتخذ الدكتور ناصف موقفا من المناهج النقدية التي تقوم علي أسس أخلاقية ساذجة ، أو التي تهمل إنسانية الإنسان ، ومن ثم فقد قام برصد المناهج المختلفة في دراسة الأدب العربي ، وبيان زيفها وعجزها عن مواجهة النص الأدبي وقصورها عن تفسيره والكشف عن رموزه ودلالاته فيقول :
" كل الناس يحبون الجيد من الشعر ويبتهجون بكل لون من التوفيق ، ولكن لا أخفي الخوف والقلق الشديد من جراء الطريقة المتبعة في تقويم الشعر ، ولا أشك كثيرا في أنها طريقة زلقه تظللها سحب غير قليلة " .
ومن ثم تكون غاية هذا النقد الجمالي ، هي التي تقوّم النص علي أساس القيم الجمالية الخالصة ، النابعة من ذاته وليست مرتبطة بقيم أخري خارجية ، وبذلك يستمر التفاعل بين النص والقارئ طبقاً لنظريات التلقي بالمفهوم المعاصر .
ولذلك وبناء علي ما سبق ، رأيت أن الحكم علي العمل الأدبي ، والنقد الموجه له لا يكون حكم بناءا علي أحكام خارجية تلزم النص الأدبي بشيء معين أو بمنهج معين ، ولكن الحكم والنقد للنص يكون بمدي القيمة الجمالية التي يحتويها النص وتتوافق مع النفس الإنسانية .
فالشعر وغيره من الأعمال الأدبية ، ما هو إلا إحساس داخلي يخرج مِن مَن له ملكة الكتابة الجيدة وفي تدوين أحاسيسه .
ولهذا فإن الشعراء والكتاب الجدد نجدهم قد سلكوا هذا المسلك ، فهم رأوا أن الشعر ينبثق من شعور داخلي يجمّل ببديع الكلام ليأتي في سياق يقرأه القارئ ويحس به ويعيش بخياله كما عاش الكاتب .
وبذلك فقد تخلص الكتاب الجدد وخصوصاً الشعراء من القوانين الخارجية التي تلزم كون الشعر علي نمط معين ، وأخذوا في تسجيل كتاباتهم علي هذا النمط .
وأري أن هذا حقهم ، فما دام الشعر تعبير عن شعور داخلي ، فلكلٍ شعوره ، ولكلٍ الحق في تصويره كيفما يشاء وبالطريقة التي تناسبه .
ولهذا رأيت أن الشعر هو :
" تنفيس لما بداخل النفس من مشاعر وأحاسيس ، وذلك في أسلوب جميل مبدع يتفق مع النفس الإنسانية فتقبله وتحس به كما يحس به صاحبه .
كما أني لا أقول بالتخلي عن الوزن والقافية في الكتابات الشعرية ، ولكن لنجعلها طليقة حرة .
بمعني أن تنقسم الكتابات الشعرية إلي كتابات موزونة ، وأخري حرة طليقة ، ولكل منهج رواده ويبدعوا فيه كما يشاءوا " .[/b]