هل صار الحب مرضا ؟
قديما قالوا الحب أساس الحياة ، وأحبوا الحب للحب وليس لشيء سواه ، فوجدنا عشاق العرب الذي تحاكي التاريخ بهم ، ووجدنا الحب لا يرحمهم ، فهل تعلموا أن قصص عشاق العرب جميعهم انتهت بالفراق !!
* كثير وعزة :
حينما حكم الحب عليهم بالفراق هو إلي المدينة وهي إلي مصر ، وجدنا كثير يعز عليه أن يفارق بلدا فيه هواه، فرجع مصرا ولكنه لسوء الحظ ، وجد الناس ينصرفون من جنازة عزة ، فأتى قبرها وأناخ راحلته عندها، ومكث ساعة ثم رحل إلى المدينة وهو ينشد :
أقول ونضوي عند قبرها عليك سلام الله، والعين تسفح
وقد كنت ابكي من فراقك حية فأنت لعمري اليوم أنأى وأنزح
* قيس وليلي " مجنون ليلي " :
وكذلك نجد الحب يحكم عليهم بالفراق ، إلي أننا نجد قيس هام بعد فراقه في البرية مع الوحش، ولم يكن يأكل إلا ما ينبت في البرية من بقل، ولا يشرب إلا مع الظباء إذا وردت مناهلها، وطال شعره وألفته الظباء والوحوش فكانت لا تنفر منه.
وجعل يهيم حتى بلغ حدود الشام، وكان كل مرة يعود فيها لعقله يسأل الناس عن طريق نجد..ومن ثم يضل وهكذا..وقد سأله أحد المارة يوما عن سبب وصوله لهذا الحال فبكى المجنون ثم قال:
كان القلب ليلة قيل يغدى بليلى العامرية أو يراح
قطاة عزها شرك فباتت تجاذبه. وقد علق الجناح
* عنترة وعبلة :
كذلك حكم الحب عليهم بالفراق ، ووجدنا عنترة قوبل بالجفاء من عبلة ، التي أجمعت معظم كتب الأدب على صدها لعنترة.
* جميل و بثينة :
وكذلك الحب وفراقه يلعبه دوره مرة اخري إلي أن يموت العاشق نتيجة الفراق ، فمات جميل بعشقه لبثينة .
*توبة وليلي :
وقد أصابهم الفراق أيضا ولكن ظل الحبيبان علي عهدهما برغم الفراق ، وذات يوما قتل توبة في إحدي غاراته ، وسجل التاريخ أروع رثاء قالته محبة في حبيب فرقت بينهما الأيام.
قسمت أرثى بعد توبة هالكا وأحفل من دارت عليه الدوائر
لعمرك ما بالموت عار على الفتى إذا لم تصبه في الحياة المعابر
وما أحد حيا وإن كان سالما بأخلد ممن غيبته المقابر
ومن كان مما يحدث الدهر جازعا فلابد يوما أن يرى وهو صابر
وليس لذي عيش من الموت مذهب وليس على الأيام والدهر غابر
ولا الحي مما يحدث الدهر معتب ولا الميت إن لم يصبر الحي ناشر
وكل شباب أو جديد إلى بلى وكل امرئ يوما إلى الله صائر
وكل قريني ألفة لتفرق شتاتا، وإن ضنا، وطال التعاشر
فلا يبعدنك الله يا توب هالكا أخا الحرب إن ضاقت عليه المصادر
فأقسمت لا أنفك أبكيك ما دعت على فنن ورقاء أو طار طائر
قتيل بني عوف، فيا لهفتا له فما كنت إياهم عليه أحاذر
* قيس ولبني :
وهو العاشق الوحيد الذي تزوج من حبيبته ..................... ولكن .................
لكن القدر أبى عليهما سعادتهما ولم يمض عليها سوى سنوات قليلة. لقد كانت لبنى عاقراً، وخشى أبواه أن يصير مالهما إلى الكلالة، فأرادا له أن يتزوج غيرها لعلها تنجب له من يحفظ عليهما مالهما.
ورفض قيس أن يطلق زوجه الحبيبة، وتحرجت الأمور بينه وبين أبويه، إنهما مصممان على طلاقها، وهو مصمم على إمساكها. وأقسم أبوه لا يكنه سقف بيت حتى يطلقها، فكان يخرج فيقف فى حر الشمس، ويأتى قيس فيقف إلى جانبه ويظله بردائه ويصلى هو بالحر حتى يفئ الظل فينصرف عنه، ويدخل إلى لبنى فيعانقها وتعانقه، ويبكى وتبكى معه، ويتعاهدان على الوفاء. وأزمنت المشكلة، وساءت العلاقات بين طرفيها، واجتمع على قيس قومه يلومونه ويحذرونه غضب الله فى الوالدين، وما زالوا به حتى طلق زوجه.
ورحلت لبنى إلى قومها بمكة، وجزع قيس جزعاً شديداً، وبلغ به الندم أقصى مداه، وتحولت حياته إلى أسف لا ينتهى، وندم لا ينقطع، ودموع لا تغيض، وحسرات لا تقف عند حد، ولم يجد أمامه سوى شعره يبثه أسفه وندمه ودموعه وحسراته.
* العصر الحالي :
عشاق وقتنا الحال علي اختلاف مع طبيعة العشق مع عشاق العرب القدامي
فالقدامي أحبوا الحب للحب فخلدوه أما في وقتنا الحاضر أحبوا الحب لشهوة فأهلكوه - لكن ليس الكل كذلك -، والعجيب أن من أحب للحب ، ومن أحب لشهوة كلاهما فرق الحب بينهم ، ويأتي السؤال
أين العيب ؟ هل منذ قديم الزمان ونحن نفهمه خطأ ، أم ماذا ؟
والإجابة تتلخص في " الحب قدر علينا أن نرتضي به " .